أضواء على الترجمة العربية والإنجليزية – مركز دراسات الترجمة بمؤسسة روزيتا
الاختلافات اللغوية و المشاكل الثقافية في الترجمة
هناك مشكلة يواجهها المترجم في بعض النصوص التي يتعامل معها مثل المشاكل الثقافية في الترجمة، وهي كيفية إيجاد معاني بعض الكلمات التي لا وجود لها في ثقافة أو بيئة معينة.
ففي الثقافة الأوروبية مثلاً هناك مفهوم boy friend وgirl friend، وهي مفاهيم غير موجودة مطلقاً في الثقافة العربية..
كما أن هناك في البيئة الأوروبية أكلات معينة مثل porridge، وملبوسات مثل dinner-jacket، وهي أيضاً غير مألوفة في الثقافة العربية..
وفي المقابل نجد في البيئة العربية بعض الأكلات مثل الملوخية والعرقسوس، وبعض الملبوسات مثل العمامة والجلباب، إضافة إلى بعض الإجراءات القانونية والاجتماعية مثل الخُلع، وهي جميعاً غير موجودة في البيئة الأجنبية، كما أن في الديانة الإسلامية كلمات مثل "عدة" و"محلل" وهي كلمات ليس لها ما يقابلها في اللغة الإنجليزية.
المشاكل الثقافية في الترجمة
ترتبط هذه الاختلافات بمشكلة عدم قابلية الترجمة (untranslatability) من لغة المصدر إلى اللغة الأخرى المنقول إليها.
وقد جرت العادة هنا على معالجة هذه المشكلة بأسلوب transliteration أي كتابة الكلمة في اللغة المنقول إليها حسب طريقة نطقها في اللغة المصدر، مثل iddat وmohalel، الخ، مع إعطاء تفسير لهذه الكلمات بين قوسين مثل:
-Iddat (the period during which a divorced or widowed woman cannot be married according to Islam)
ومع ذلك، وجد أن هذا الحل لا يجدي في حالات كثيرة، إذ أنه يفرض على المترجم الخوض في معان غارقة في ثقافة اللغة المصدر وقد تصبح ترجمته في هذه الحالة مشوهة كلياً أو جزئياً، على اعتبار أنه قد تطرق هنا إلى موضوعات لا تدخل ضمن مجال اختصاصه.
ومن المفارقات اللغوية أيضاً استخدام صيغة الماضي في اللغة العربية للدلالة على حتمية وقوع حدث معين في المستقبل، وهي من ألوان البلاغة التي نراها في الكثير من آيات القرآن الكريم مثل:
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ (سورة القمر - الآية "1")
وتترجم حرفياً بالصورة:
“The Hour has drawn near and the moon has been cleft asunder”
أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ (سورة النحل - الآية "1")
وتترجم حرفياً بالصورة:
“The event ordained by Allah has come to pass, so seek not to hasten it”
ونظراً لعدم وجود هذا اللون البلاغي في اللغة الإنجليزية، فإنه عند ترجمة مثل تلك الآيات يجب على المترجم اختيار اللفظ الدال على وقوع الحدث في زمن المستقبل مع استخدام لفظ للتأكيد مثل “certainly”، وعليه تصبح الترجمة في الآية الأولى على النحو الآتي:
“The Hour will certainly draw near and the moon will cleave asunder”
وفي الآية الثانية تصبح الترجمة كالآتي:
“The event ordained by Allah will certainly come to pass, so seek not to hasten it”
وفي اللغة العربية يُعطى أيضاً اهتمام خاص بلفظ المذكر دون المؤنث، حتى أطلق عليها البعض صفة “he-language”.
وقد لا يكون ذلك مقبولاً في اللغة الإنجليزية تماشياً مع ما يسمى بالحركة النسائية (feminism) التي استحدثت معها طرق مختلفة للتغلب على ظاهرة تمييز جنس الذكر مثل استخدام لفظ he/she أو ضمير his/her، أو استبدال كلمة man بكلمة person مثل post-person بدلاً من post-man، الخ.
لذلك ينبغي على المترجم مراعاة الصعوبات الثقافية في الترجمة عند أداء عملية الترجمة حتى تكون أعماله مواكبة للاتجاهات الحديثة في اللغة الإنجليزية.
وهناك اختلافات لغوية أخرى بين العربية والإنجليزية، ومنها على سبيل المثال:
1- استخدام صيغة المفرد في اللغة الإنجليزية للدلالة على الجمع مثل:
- Poultry disease control
- Student affairs
وهي ظاهرة غير موجودة في اللغة العربية التي يُعبر فيها عن المفرد بصيغة المفرد وعن الجمع بصيغة الجمع. وعلى ذلك فإنه عند ترجمة العبارات أعلاه تكون الترجمة الصحيحة في اللغة العربية هي:
مكافحة أمراض الدواجن، وليس مرض الدواجن
شؤون الطلاب، وليس شؤون الطالب، الخ.
2- يستخدم الضمير it في اللغة الإنجليزية، وهو ضمير ليس له مقابل في اللغة العربية ويترجم إما بصيغة المجهول أو بصيغة اسم المفعول، مثل
يعتقد أن It is believed
من المشكوك فيه It is doubted
ويجب الانتباه إلى ذلك منعاً للالتباس في تفهم المعنى.
3- تستخدم أداة التعريف “the” في اللغة الإنجليزية مع بعض الأسماء مثل The Nile، The Alps، ولا تستخدم مع أسماء العلوم والألوان والألعاب، حيث يقال physics، red، tennis، بينما في اللغة العربية تستخدم أداة التعريف "ال" مع جميع تلك الأسماء دون تمييز.
4- في اللغة الإنجليزية يستدل عادة على جنس الفاعل من خلال الضمير الوارد بالجملة، مثل:
-The doctor lost his hat
-The doctor lost her hat
ولكن يظل المعنى غامضاً في حالة غياب الضمير العائد على الفاعل، كما في الجملة:
-The doctor went to the hospital
وفي هذه الحالة الأخيرة يتعين على المترجم متابعة هذا الأمر من خلال مواضع أخرى في النص تشير إلى جنس الفاعل (طبيب أو طبيبة)، وهذه المواضع قد تكون بعيدة عن موضع الجملة مما يجعل مهمة الترجمة أكثر صعوبة خلافاً لما يحدث في اللغة العربية التي تفصل في جنس الفاعل من خلال أدوات التذكير والتأنيث.
5- قد تترجم من اللغة الإنجليزية عبارة مثبتة تنقل إلى اللغة العربية بصورة النفي دون أن يكون القصد هو النفي في حد ذاته وإنما الإثبات بأداة نفي زائدة مثل "ما" بغرض إضفاء المزيد من البلاغة على العبارة المترجمة، مثل عبارة "إذا ما زرتني أكرمتك" بمعنى "إذا زرتني".
وبالطبع فإنه عند الترجمة في الاتجاه الآخر تنقل تلك العبارة إلى الإنجليزية بصورة الإثبات وليس النفي على اعتبار أن أداة النفي هنا زائدة كما ذكرنا.
وإلى جانب الأبعاد اللغوية نجد أن البعد البيئي والثقافي يلعب أيضاً دوراً رئيسياً في عملية الترجمة، فالكلمات التي لها أكثر من دلالة في إحدى اللغات قد لا تكون لها نفس الانعكاسات المؤثرة في لغة أخرى.
وعلى سبيل المثال، يأخذ القمر بعداً رومانسياً في الثقافة العربية ويستخدم في التعبير عن الجمال، بينما في الثقافة الإنجليزية أو الفرنسية يجسّد القمر مفاهيم الغباء وانعدام البراءة.
وعليه، فإنه عند ترجمة عبارة مثل "الفتاة كالقمر في جمالها" يفضل أن يقوم المترجم بترجمة ما يوحي إليه هذا التشبيه وليس مادة التشبيه ذاتها، كأن يقول مثلاً: the girl is very beautiful دون أن يُدخل لفظ "القمر" في الجملة.
وبالمثل، فإنه عند ترجمة المثل القائل "طعام زيد قد يكون سماً لعمرو" فإنه لا يجب ذكر تلك الأسماء عند الترجمة على اعتبار أن القارئ الأجنبي لا يعرف بالطبع من هو "زيد" أو "عمرو"، وعلى المترجم هنا نقل العبارة بصيغة مفهومة لدى القارئ الأجنبي دون الإخلال بالمعنى العام المراد نقله إلى اللغة الأخرى، مثل:
- One man’s meat is another man’s poison.
الصعوبات الثقافية في الترجمة
كذلك فإنه عند ترجمة المثل القائل "من قصرت يداه مُد لسانه" يكون من الخطأ هنا الإشارة في الترجمة إلى قصر اليد أو طول اللسان، حيث أنها تعبيرات غير مقبولة من الناحية الفيزيائية لدى شخص آخر يعيش في بيئة لا تستوعب كثيراً مثل تلك العبارات الكنائية أو المجازية.
والبديل عن ذلك أن يكون المترجم ملماً بالتعبير المقابل كأن يقول مثلاً barking dog seldom bite وهو تعبير يحمل نفس المعنى ومقبول في الوقت نفسه لدى الآخرين.
وحتى عند ترجمة بعض الألفاظ الصريحة البعيدة عن التشبيهات والكنايات والاستعارات، فإن الأمر قد يتطلب تدخل المترجم بتعليقات أو جمل إضافية لتوضيح الأبعاد الثقافية والبيئية التي تكمن وراء تلك الألفاظ حتى مع وجود مقابل لها في اللغة الإنجليزية.
فمثلاً عند ترجمة كلمة "مهر"، وهى الكلمة التي يقابلها dower في الإنجليزية، يراعى تفسير الكلمة بين قوسين في اللغة المنقول إليها لتكون على الصورة "(dower (money paid by the husband to the wife's family"، نظراً لاختلاف مفهوم هذه الكلمة لدى بعض البيئات والثقافات الأخرى التي يدفع فيها المهر من جانب الزوجة وليس من جانب الزوج.
ومع هذه الإضافة من جانب المترجم فلن يكون هناك مجال لتفسير الكلمة في الثقافة العربية على ضوء ما يحدث في بعض المجتمعات الأخرى.
كذلك، فإنه عند ترجمة كلمة "عم" إلى اللغة الإنجليزية فلا يكفى هنا التعبير بلفظ uncle حيث أنه قد يعنى في اللغة الإنجليزية الخال أيضاً.
لذلك، فإن الأمر يتطلب أيضا بعض التصرف من جانب المترجم لنقل المعنى بدقة إلى اللغة الأخرى دون تداخل أو التباس، وتكون الترجمة الصحيحة هي "paternal uncle" وليس "uncle".
أما إذا كان اللفظ المطلوب ترجمته في اللغة المصدر هو الخال وليس العم، تكون الترجمة في هذه الحالة maternal uncle، وبذلك تتحدد بدقة ما إذا كانت صلة القرابة من جهة الأب أم من جهة الأم، وهكذا.
وفي المجال العلمي أيضاً قد تؤثر الاختلافات الثقافية في عملية الترجمة حيث يتعامل المترجم مع تعبيرات محلية قد لا يفهمها القارئ الذي ينتمي إلى ثقافات أخرى، أو عندما تكون تلك التعبيرات غير واقعية في مفهومها العام أو غير مقبولة من الناحية العلمية.
وعلى سبيل المثال يستخدم في الكتب والمراجع العربية تعبير "القضاء على الحشرات"، وهو تعبير يقابله حرفياً في الإنجليزية eradication of insects.
إن مثل هذه الترجمة تبدو غير صحيحة لدى القارئ المتخصص والذي يؤمن بعدم واقعية هذا الأمر باعتبار أنه لا يمكن بأي حال "القضاء" على الحشرات علمياً كان ذلك أو عملياً.
أما إذا استخدم المترجم لفظاً آخر مثل control بدلاً من eradication في هذا السياق وفق ما هو متعارف عليه في الكتب والمراجع الأجنبية فسوف تكون الترجمة في هذه الحالة أقرب إلى الواقع وبعيدة عن المبالغات غير المقبولة.
وقد لا تقف آثار الترجمة الحرفية عند قبول المادة المترجمة أو عدم قبولها لدى القارئ الأجنبي، بل قد تترتب عليها أيضاً عواقب سيئة ووخيمة، خاصة في المجالات القضائية والقانونية. ويذكر هنا أن مواطناً عربياً مثل ذات يوم أمام إحدى المحاكم الأمريكية بتهمة الاشتراك في عمليات تخريبية، وحدث أثناء الادعاء أن انفعل هذا المواطن ودعا باللغة العربية بأن "يخرب" الله بيت المدعي الظالم.
وعندما طلب القاضي من المترجم الفوري أن يترجم له تلك العبارة قام هذا الأخير بترجمتها حرفياً وضمّن في عبارته كلمة “damage” مما أيد لدى القاضي انطباعه عن طبيعة هذا المتهم التي تنطوي على العنف والتخريب وأصدر حكمه عليه استناداً إلى هذا الانطباع الذي رسخه المترجم أساساً إلى جانب القرائن الأخرى القانونية.
ولو كان هذا المترجم قد نقل العبارة ذاتها بأسلوب معروف لدى القاضي مثل: “oh, you fool” أو “God, you’re such an idiot” لاختلف الأمر تماماً، وهذا ما يؤيد ما ذكرناه سابقاً من أن الترجمة - سواء كانت تحريرية أم فورية - لا يجب أن تكون حرفية وإنما يجب تطويعها أحياناً لتناسب الثقافات والأعراف الأخرى لتكون أكثر قبولاً ولا تترتب عليها أية آثار سلبية.
وعلى الجانب الآخر، فإنه عند الترجمة إلى اللغة العربية نجد العديد من العبارات التي تستوجب التصرف من جانب المترجم وعدم التقيد بنقلها حرفياً تماشياً مع القبول العام من جانب القارئ أو المستمع العربي.
وقد يبدو ذلك واضحاً في بعض الأفلام المترجمة إلى اللغة العربية والتي نشاهدها تكراراً، حيث نجد العديد من الألفاظ النابية التي تتردد في أحداث الفيلم ويتم تطويعها أو استبدالها بألفاظ أخرى مخففة مثل "وغد" و"أحمق" و"تافه" بغية الحفاظ على المستوى اللائق للأحداث المترجمة وعدم الوصول بها إلى حد السقوط والإسفاف إذا ما ترجم كل ما جاء بها حرفياً.
ويسري أيضاً مفهوم التطويع والاستبدال على بعض النصوص العلمية التي قد تحتوي أحياناً على عبارات غير مقبولة من حيث الذوق العام لدى القارئ العربي، حتى وإن كانت صحيحة وثابتة من الناحية العلمية. ونعرض هنا على سبيل المثال عبارة مثل:
-This invention provides a method for treating cancer in warm- blooded animals such as man and other vertebrates.
فعلى الرغم من صحة هذه العبارة من الناحية البيولوجية المجردة، إلاَّ أنه لا يجوز - وفقاً للأعراف والتقاليد العربية - أن يأتي ذكر الإنسان في سياق الحديث عن الحيوانات وكأنه فرد منها أو عضو في مملكتها.
إن الأصوب في هذه الحالة أن يستبدل المترجم كلمة "حيوانات" بكلمة أخرى تفي بالغرض المطلوب مثل "كائنات"، أو أن يغيّر بناء الجملة عند الترجمة إلى العربية لتأتي فيها كلمة الإنسان “man” في صيغة المعطوف عليه وليس في صيغة المضاف إليه، كأن يقول مثلاً "الإنسان والحيوانات الفقارية" بدلاً من "الحيوانات مثل الإنسان والفقاريات الأخرى"، وهكذا.
والخلاصة أن للجوانب اللغوية والثقافية دوراً هاماً في عمليات التواصل ونقل المعلومات والأفكار من بيئة إلى أخرى، وعلى الجميع مراعاة تلك الجوانب والإلمام بها في مواقف الترجمة والكتابة والتحدث حتى لا يكون هناك خطأ أو التباس يثير في بعض الحالات استياء القارئ أو المستمع وعدم قبوله للمادة المنقولة إليه، أو يؤدي في حالات أخرى إلى نتائج لا تحمد عقباها.
للمزيد من المعلومات عن موقع روزيتا للترجمة